لماذا يطلبونها؟

 لماذا يطلبونها؟


بقلم: المهندس مدحت بركات


رئيس حزب أبناء مصر


في كل دورة انتخابية، تتكرر نفس المشاهد؛ يتزاحم المرشحون على مقاعد البرلمان، يتسابقون في المؤتمرات والمناسبات، وتغمر اللافتات الشوارع والحوائط، وكلها تصرخ بنفس العبارة: “نحن الأجدر بتمثيلكم”.

لكن السؤال الذي لا يتوقف الناس عن طرحه:

لماذا يطلبونها؟

ما الذي يدفع هذا العدد الكبير من الأشخاص للسعي الحثيث إلى عضوية البرلمان؟ هل هو حب الوطن وخدمة المواطن؟ أم أنها بوابة لمصالح خفية، أو واجهة للوجاهة والسلطة؟



الخدمة العامة.. حلم نبيل


لا يمكن أن نعمم أو نُجحف في الحكم؛ فهناك بالفعل من يطلبها بصدق، بدافع وطني وإنساني خالص.

كثير من المرشحين يطمحون إلى المساهمة في تحسين أوضاع دوائرهم، من خلال حل مشكلات مثل ضعف الخدمات، والبطالة، وتدهور البنية التحتية.

ويسعى البعض لأن يكون صوتًا حقيقيًا للمواطنين داخل البرلمان، يعبر عن آمالهم وشكواهم، ويعمل على إيصالها إلى صانعي القرار.

هؤلاء ينظرون إلى النيابة باعتبارها أمانة ومسؤولية، لا وجاهة أو لقبًا.



الطموح السياسي والشخصي


العضوية البرلمانية تُعد خطوة مهمة في المسار السياسي، وقد تمهد لمناصب أكبر مثل الوزارة أو رئاسة لجنة تشريعية.

وهناك من يرى فيها ترقية لمكانته الاجتماعية، خصوصًا في الأوساط القبلية أو الريفية، حيث تُعد النيابة رمزًا للهيبة والنفوذ.

هي أيضًا بداية لحلم أكبر، يطمح من خلاله البعض إلى أن يكونوا من صُنّاع القرار في مستقبل الوطن.



التأثير على التشريع والرقابة


البرلمان هو المؤسسة التي يُصاغ فيها التشريع الوطني.

وبعض المرشحين يطلبونها رغبة في التأثير على قوانين تمس المواطن بشكل مباشر، أو تعديل ما يرونه جائرًا أو ناقصًا.

كما أن النائب يملك أدوات رقابية، مثل الاستجوابات وطلبات الإحاطة، التي تمكّنه من مواجهة التقصير والمحاسبة.



الوجاهة الاجتماعية والنفوذ


في كثير من الحالات، تتحول عضوية البرلمان من وسيلة خدمة إلى أداة وجاهة ونفوذ.

يرى البعض أن مجرد حمل لقب “النائب” كفيل بفتح الأبواب المغلقة، وكسب الاحترام، وربما تصفية حسابات أو فرض الهيمنة في مجتمعاتهم.

هنا تغيب المسؤولية وتحضر المصالح، وتضيع القيمة الحقيقية للمقعد النيابي.



حماية المصالح الاقتصادية والشخصية


لا يمكن إنكار أن هناك من يسعى للنيابة بدافع حماية أعماله ومصالحه التجارية.

العضوية البرلمانية تمنح حصانة نسبية، وتتيح الدخول إلى دوائر النفوذ والتأثير.

وقد تُستغل أحيانًا كـ”درع سياسي” في مواجهة خصوم أو جهات رقابية.



الانتماء الحزبي والفكري


بعض المرشحين يطلبونها من منطلق حزبي أو أيديولوجي، يسعون لتمثيل تيارهم أو الدفاع عن مبادئهم.

يريدون ترجمة برامجهم إلى مشروعات قوانين ومواقف سياسية فاعلة.

وهؤلاء غالبًا ما يكونون أكثر التزامًا، لأنهم يرتبطون برؤية جماعية لا بمصالح شخصية.



التقاليد العائلية والرمزية القبلية


في بعض المناطق، خاصة في الريف والصعيد، تتحول النيابة إلى إرث عائلي أو رمز للكرامة.

تتقدم العائلات الكبرى بمرشحيها باعتبار أن المقعد “حق تاريخي”، حتى لو لم يكن المرشح هو الأكفأ.

وتتحول الانتخابات إلى صراع اجتماعي أكثر من كونها منافسة سياسية.



هل من حق المسلم أن يطلبها؟


نعم، من حق المسلم أن يطلب المنصب العام – مثل عضوية البرلمان – إذا كان الغرض منه خدمة الناس، وإقامة العدل، ودرء المفسدة، وتحقيق المصلحة العامة.

وليس في ذلك حرج شرعي، ما دامت النية صادقة، والوسائل نزيهة، والهدف إصلاحي لا سلطوي.


📖 من القرآن الكريم:

قال يوسف عليه السلام:


“اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”

(سورة يوسف: 55)

وقد طلب يوسف المنصب لأنه رأى في نفسه القدرة والكفاءة لحماية المال العام.


🕋 ومن السنة النبوية:

قال النبي ﷺ لعبد الرحمن بن سمرة:


“لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعِنت عليها”

(رواه مسلم)

وهذا الحديث ينهى عن طلب المنصب إذا كان بدافع حب السلطة، لكنه لا يمنعه إذا كانت النية الإصلاح وخدمة الناس، بدليل فعل يوسف عليه السلام، وواقع الصحابة من بعده.


✅ الخلاصة:

طلب المنصب ليس مذمومًا في ذاته، بل يتوقف على النية والمقصد.

فمن طلبه طمعًا في الدنيا فهو آثم، ومن طلبه ابتغاء الإصلاح وخدمة الناس، فهو مأجور بإذن الله.



خاتمة: بين من يطلبها، ومن يستحقها


أنا لا أطلبها لنفسي، بل أطلبها لأكون لغيري.

وإن فزت بها، فهي تكليف لا تشريف،

وإن لم أفز بها، فسيظل قلبي وعقلي في خدمة هذا الوطن،

لأن حب مصر لا يرتبط بمنصب، ولا يتوقف عند صندوق انتخاب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفقهوا قبل ان تحجوا(٢)

سلاحنا في الحياه

تفقهوا قبل ان تحجوا(١)